العالم المليئ بالعولمة اليوم يحتاج منا التركيز على القوانين التي تحكم تلك العملية لأن أي خطأ يعني خسائر بالملاين وفي بعض الأحيان بالمليارات، عقود البيع الدولي ليست من السهل صياغتها ولا من السهل الإلمام بالشروط فالقوانين تتعقد وتتشابك، ومن هذا المنطلق تظهر أهمية الفهم الشامل لشروط صحة عقد البيع الدولي، ليس فقط ليضمن حقوق جميع الأطراف بل وأيضاً لتفادي أي نزاعات تجارية قد تحدث في المستقبل.
لذا وفي طيات هذا الموضوع نوصي كل تاجر أو مستثمر أو محامي تجاري أو أي محامٍ مهتم بالعمل التجاري العابر للحدود أن يتعمق في تلك الشروط ويفهم كيف تنطبق في كل حالة على حدى.
ما هو عقد البيع الدولي؟
إنه اتفاق يبرمه طرفين، كلا هذين الطرفين متواجدات في دول مختلفة، والهدف الأساسي منه هو نقل ملكية سلعة أو بضاعة من البائع للمشتري في مقابل مبلغ مالي متفق عليه بشكلٍ سابق ويعتبر هذا العقد هو ركن أساسي من الأركان الأساسية للتجارة الدولية.
هذا النوع يعرف بخصوصيته العامة لأنه لا يقتصر فقط على بائع ومشتري، بل إن هناك عوامل أخرى تلعب في الأمر، مثل العوامل القانونية والجمركية و الاقتصادية واللوجستية المختلفة بين الدول لضمان عدالة كافية.
من أهم مميزات عقود البيع الدولية هي أنه يبرم بين دولتين مختلفتين، ويخضع لاتفاقيات دولية أو لقوانين دولية معينة كما بالإمكان استخدام وسائل إلكترونية ويرتبط ارتباط وثيق بالشروط التجارية الدولية التي تحدد مسؤوليتها جميع الأطراف.
شروط صحة عقود البيع الدولية
بعد أن انضمت السعودية لاتفاقية فيينا لعقود البيع الدولي أصبح بإمكانك التعرف على شروط صحة العقد الدولي وهي كالتالي:
1. التوافق بين طرفي العقد
للحصول على عقد سليم وواضح يجب توافر عنصرين أساسين، الأول هو الإيجاب وهو عرض واضح ومحدد يقدمه أحد الطرفين لطرف معين وهو ما تنص عليه المادة ” 14″ من القانون، أما العنصر الثاني فهو موافقة الطرف الآخر على العرض، إما يوافق بشكلٍ صريح أو بشكل ضمني كأن ينفذ مضمون العرض وهو ما تنص عليه المادة 18 من النظام.
وفقاً لما تنص عليه المادة 23 من اتفاقية الأمم المتحدة لعقود البيع الدولي فإن العقد يعتبر منعقداً من تلك اللحظة التي يبلغ فيها القبول الموجب والموجب يعني به الطرف الذي قدم العرض أما الموجب فهو الطرف الآخر.
2. عدم اشتراط الكتابة لصحة العقد
لا يشترط لصحة عقود البيع الدولية أن تكون مكتوبة ويمكن اللجوء لأي وسيلة أخرى ويكون شفهي إن توافرت الأدلة الكافية لإثباته كمحادثة مسجلة وغيرها وفي المادة 12 والمادة 96، إن كانت أحد الدول أعلنت عن التزامها بالكتابة لصحة العقد فإن الشرط هذا يصبح إلزامياً.
3. تحديد موضوع العقد والثمن
العقد يجب أن يتضمن تحديد واضح للبضاعة وكذلك سعرها وكميتها أو طريقة تحديد السعر بحسب المادة 14، وفي حالة لم يحدد السعر بشكلٍ صريح فإنه يفترض أن كلا الطرفين قصدا السعر المتداول في السوق عند إبرام العقد وفقاً لما جاء عن المادة 55.
4. الطابع الدولي للعقد
تطبق الاتفاقية إن كان لكل طرف مكان عمل في دول مختلفة ويجب أن تكون منظمة للاتفاقية أو أن القانون الدولي الخاص بتلك الدولة يفرض تطبيق قانون دولة متعاقدة.
5. خلو العقد من المخالفات الشرعية أو القانونية
يجب أن يحتفظ عقود البيع الدولية بالقوانين المعمول بها في الدولة السعودية فالاتفاقية بدورها لا تنظم صحة العقد من حيث الشريعة أو القانون الداخلي الدولي وفي تلك الحالة ترجعها للقانون الوطني، لذا إن كان العقد ربوي أو به بنود ربوية أو مخالف للشريعة كشراء بضاعة ليست حلال في المملكة فإن العقد يعتبر باطلاً تماماً.
التمييز بين البيع المحلي والبيع الدولي
هناك عدد من العوامل التي تميز عقد البيع المحلي عن عقود البيع الدولي وتلك العوامل هي كالتالي:
-
النطاق الجغرافي للعقد
عقد البيع المحلي يتم بين طرفين كلاً منهما يعيش في نفس الدولة للآخر أو أن لديهم مقرات للعمل داخل نفس الدولة ولا يوجد أي حدود دولية فاصلة بينهم.
أما عقود البيع الدولية فتتم بين طرفين لا يعيشان بدورهما في نفس الدولة، في دول مختلفة وليس بينهم حدود مشتركة والبضائع تنتقل من دولة لأخرى حسب الوسيلة المتفق عليها.
-
القانون الواجب التطبيق
في العقد المحلي تسري قوانين الدولة على بنود العقد وتكون واضحة وثابتة لدى كلا الطرفين، أما في عقود البيع الدولي فقد يطبق قانون أحد الدول أو تطبق قواعد اتفاقية موحدة مثل اتفاقية فيينا وفي الغالب يتفق كلا الطرفين على الشكل القانوني اللذان يخضعان له.
-
العملة المستخدمة في الدفع
في العقد المحلي في الغالب يتم استخدام عملة الدولة نفسها، أما العقد الدولي فيتم استخدام عملة مستقرة عالمياً كالدولار أو اليورور.
-
طرق تسليم البضائع
في البيع المحلي يتفق على تسليم البضاعة في مكان محدد داخل نفس الدولة وتنتقل بشكلٍ محلي، أما البيع الدولي فالأمر أكثر تعقدياً ويحتاج لترتيبات خاصة عبر الحدود كالتعاقد مع شركات شحن وتحديد ميناء الإستلام والشروط التي اتفق عليها وغيرها.
-
اختلاف اللغة والعادات التجارية
في العقود المحلية السعودية تستخدم اللغة العربية، أما عقود البيع الدولية ففي العادة تستخدم لغة أجنبية كاللغة الإنجليزية والعادات التجارية تكون مختلفة وهو ما يتطلب صياغة واضحة للعقد لتجنب سوء الفهم.
-
انتقال المخاطر بين الطرفين
في البيع المحلي، المخاطر بدورها تنتقل عند التسليم الفعلي للبضائع من البائع للمشتري داخل نفس الدولة ، في البيع الدولي تحدد شروط التسليم الدولية اللحظة التي تنتقل فيها المسؤولية والمخاطر من البائع للمشتري سواء عند الشحن أو عند الوصول.
-
طرق حل المنازعات
في العقد المحلي تكون المحكمة الوطنية المختصة بحل النزاعات بحسب ما ورد في النظام القضائي الداخلي، أما في العقد الدولي فإن كلا الطرفين يتفقان على التحكيم التجاري الدولي أو اللجوء لمحكمة دولية في دولة معينة لإنهاء النزاع.
حقوق المشتري في عقد البيع الدولي وفقًا لاتفاقية فيينا
هناك مجموعة من الحقوق التي يجب أن تعرفها سواء كنت مشتري أو بائع ويجب أن ينص عقود البيع الدولية عليها وتلك الحقوق هي:
- بحسب الوارد في المادة 53 فإن للمشتري الحق في استلامه البضائع التي اتفق عليها وفقاً لشروط العقد والوقت والزمان الذي حدده العقد.
- إن للمشتري الحق في استلام البضاعة مطابقة لما تم الإتفاق عليها سواء من حيث الكمية أو النوع أو الجودة أو التغليف بحسب الوارد في المادة 35 من النظام.
- نصت المدتين 38 و39 على أحقية المشتري في رفض البضاعة المتفق عليها في حال لم تكن مطابقة للعقد بشرط وهو إخطار البائع خلال فترة معقولة بعد أن يكتشف العيب.
- يمكن للمشتري مطالبة البائع بالاستبدال أو الإصلاح وهو ما نصت عليه المادة 46 من الاتفاقية.
- للمشتري حق في فسخ العقد بينه وبين البائع إن لم يقم البائع بتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها أو إن سلمت البضائع بشكل مخالف جوهري لشروط العقد.
- إن للمشتري الحق الكامل في طلب تعويض عن الأضرار بحسب الوارد في المادة 74.
- في حال تسلمه بضاعة غير مطابقة للموصفات القياسية فإن لديه الحق في خصم جزء من الثمن الخاص بها بما يتماشى مع الفرق ما تم تسليمه وما اتفق عليه.
- إن للمشتري الحق في فحص البضائع قبل أن يقوم بالدفع إن لم يكن مخالفاً لما اتفق عليه بحسب الوارد في المادة 58.
- بحسب المادة 42 فيجب أن تكون البضاعة خالية من أي مطالبات قانونية من طرف ثالث فيما يتعلق بالملكية الفكرية وإلا في تلك الحالة يرجع المشتري للبائع البضاعة إن ثبت أنها تعود لعلامة تجارية.
حقوق البائع في اتفاقية البيع الدولي للبضائع
هناك مجموعة من الحقوق على للبائع بحسب الوارد في الاتفاقية وتلك الحقوق هي كاالتالي:
- حقه في أن يصل له المبلغ الذي أتفق عليه في وقتٍ سابق في المكان والزمان الواردين في عقد البيع الدولي.
- في حالة التقصير من قبل المشتري فإن البائع يحق له أن يطالب بتنفيذ التزامته كتسليم أو دفع الثمن بحسب الوارد في المادة 62 من الاتفاقية.
- في حالة تأخر المشتري فإنه يحق للبائع أن يعطيه مهلة إضافية ليقوم بتنفيذ التزامته قبل أن يتخذ أي إجراء قانوني بحسب ما جاء عن المادة 63.
- يحق للبائع أن يفسخ العقد بحسب الوارد في المادة 64 في حال أخل المشتري ببنود العقد.
- بحسب ما ورد على المادة 74 والمادة 77 فإن ترتب على تقصير المشتري ضرر للبائع فيحق له أن يطالب بتعويض مالي.
- يحق للبائع اختيار البضاعة إن لم يحدد مواصفاتها المشتري بحسب ما جاء عن المادة 65.
- إن لم يدفع المشتري ثمن البضاعة فإنه يمكن للبائع أن يقوم بحبس البضاعة حتى يتم دفع المصروفات أو دفع مصاريف الحفظ بحسب ما جاء عن المادة 85.
- إن كانت البضاعة المحبوسة عليها ضرر من الحفظ فيحق للبائع التصرف فيها وبيعها بحسب الوارد في المادة 88.
يُوصى جميع الأطراف المتعاملة في عقود البيع الدولي، خاصة الشركات والمستوردين والمصدّرين، بضرورة الاطلاع على بنود الاتفاقية وفهمها جيدًا قبل التعاقد، كما يُستحسن تضمين إشارات صريحة لتطبيق الاتفاقية أو استبعادها ضمن بنود العقد، حسب طبيعة التعامل وبالخصوص، يُنصح بالاستعانة بمستشار قانوني دولي لضمان حماية الحقوق وتفادي الوقوع في ثغرات قانونية قد تضر بمصالح أحد الطرفين.