مع تسارع وتيرة الأعمال داخل المملكة وتشابك القوانين؛ برز لنا نظام التحكيم كأحد أدوات النظام لتحقيق العدالة، في الماضي كان التحكيم يقتصر على كبير القبيلة التي يتولى أمر التحكيم ولكن مع التطور في الحياة الاجتماعية ووجود مدن أكثر تحضراً وأكثر حداثة لم يعد التحكيم بدوره مجرد وسيلة بديله لحل النزاعات بل تحول لنظام قانوني متكامل يخدم عليه تشريعات متطورة ومتخصصة تعكس التزامات الحكومة وحرصها على مواطنيها.
إن كنت صاحب أحد المشروعات أو حتى مستثمر في السوق السعودي أو لديك نزاع ما، فعليك أن تفهم الآليات والإطار القانوني الذي يحكم عملية التحكيم في السعودية، في هذا المقال سوف نبحر معاً في قوانين هذا النظام لنستكشف كيف نستخدم التحكيم بذكاء لصالحك دون أن تضيع الوقت والجهد والأموال في جلسات قضائية مرهقة.
ما هو التحكيم
هو ببساطة هو اتفاق بين طرفي النزاع أو بين أكثر من طرف على أن يحال النزاع ليتم بالتحكيم، يتم إحالة النزاع لهيئة متخصصة للفصل بين الأطراف بدلاً من أن يعرض على القضاء، قد يقوم الطرفين بالاتفاق على شروط في وقتٍ سابق، أي عند حدوث أي نزاع بين الأطراف فإن العقد المبرم يحولهما للفصل بينهما عن طريق التحكيم وهو شرط التحكيم، أو يلجأ أطراف النزاع له بعد أن يقع النزاع وهو ما يطلق عليه مشارطة تحكيم مستقلة وعليه يلجأ للجنة للفصل بين الشخصين.
شروط التحكيم في السعودية
بالنظر للباب الثاني من نظام التحكيم الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 156 للعام 1433 في السعودي يتضح لنا الشروط والتي تتلخص في تلك السطور:
1. وجوب وجود اتفاق
إن الفقرة الثانية من المادة التاسعة تشترط وجود اتفاق تحكيم مكتوب وإلا في حالة لم يكن موجود هذا الاتفاق لا يصح اللجوء للجنة لطلب تحكيم والاتفاق يعتبر مكتوب إن تضمنه الآتي:
- محرر رسمي وهو كل اتفاق يوقع ويسجل بين الطرفين او محرر عرفي وهو اتفاق قام بتوقيعه الجهتين دون تدخل جهة معينة في الاتفاق.
- إن كان بينهما مراسلات اتفاقا فيها على اللجوء لتحكيم حتى يقوموا بإنهاء الأمر بشكلٍ ودي.
- قد لا يكون العقد يحتوي على اتفاقية للجوء إلى تحكيم ولكنه به إشارة صريحة داخل العقد تشير لمستند آخر يشمل شرط للتحكيم.
2. أهلية الأطراف
بالنظر للمادة العاشرة من النظام فإنه لا يصح الاتفاق على تحكيم إلا من خلال الشخص القائم على حقوقه سواء كانت شركة ويعتبر كيان اعتباري أو شخص، يجب أن يكون بالغ وعاقل وراشد، أما الجهات الحكومية فإنه يمنع عنها اللجوء لاتفاق تحكيم إلا في حال وافق مجلس الوزراء.
3. تحديد النزاع بشكل واضح
إن حدث وتم الاتفاق على تحكيم بعد أن نشوب النزاع القانوني فإنه يجب أن يحدد موضوع النزاع بشكل صريح وواضح وفي حالة لم يحدد المسألة فإن الاتفاق يعتبر باطلاً، هذا الشرط يحمي من الغموض ويمكن هيئة التحكيم من حصر الاختصاص الخاص بها ضمن الاتفاق المتفق عليه.
4. الاعتراف القضائي بالاتفاق
وفقاً للمادة الحادية عشر من النظام، في حال تقدم المدعى بدعوى للمحكمة وقام الطرف الآخر وهو المدعى عليه بتقديم اعتراض أن هناك بند ينص على اتفاقية تحكيم في حال نشوب النزاع فإن المحكمة تحكم بعدم جواز تلك الدعوة وتحولها للتحكيم فيها.
5. الإحالة من المحكمة إلى التحكيم
وفقاً لما تنص عليه المادة 12 من النظام، في حال سير الدعوى في المحكمة وطلابا الطرفين اللجوء للتحكيم فإن المحكمة تقرر إحالة النزاع للتحكيم.
أنواع القضايا التي يُسمح بالتحكيم فيها وفق نظام التحكيم السعودي
تصنف القضايا التي يلجأ فيها للتحكيم إلى عدة تصنيفات، القضايا التي يسمح فيها بالتحكيم هي كالتالي:
1. القضايا التجارية
القضايا التجارية تشمل جميع النزاعات التي نشبت عن المعاملات التجارية سواء بين الأفراد أو الشركات وهي في العادة تكون إما نزاعات على عقود التوريد أو الوكالات التجارية وكذلك عقود الامتياز التجاري وعقود الشراكة التجارية.
2. القضايا المدنية
إنها تلك التي تتعلق بالعلاقات المالية الخاصة سواء كانت عقود بيع أو إيجار كما في النزاعات العقارية، عقود الخدمات والنزاعات التي تشمل تعويضات مالية.
3. منازعات العقود
تعتبر منازعات العقد هي الأكثر شهرة في قضايا التحكيم وتشمل تفسير العقود وتنفيذها أو القيام بعملية فسخ للعقد وحل المنازعات التي تنشأ عن وجود بنود مجففة في العقود مثل شروط الغرامة أو التأخير أو ضمان الجودة.
4.القضايا ذات الطابع الدولي
القضايا الدولية هي تلك التي تنشأ بين أطراف من دول مختلفة أو هي تخص شركة سعودية مع شركة غير سعودية ويعتبر التحكيم دولي إذا توفر فيه مجموعة من الشروط وهي:
- إن كان الاتفاق موقع في دول أخرى فإن اللجوء للتحكيم سيكون دولي حتى لو كانت الشركتين سعوديتين.
- إن كان طرف سعودي والآخر غير سعودي.
- إن كان عقد الاتفاق ينص على تحكيم خارج الدولة فيعتبر اتفاق تحكيم دولي هو الآخر.
- في حال اتفاق الشركتين على جهة تحكيم دولية لحل النزاع مثل” مركز تحكيم باريس” أو ” مركز لندن للتحكيم الدولي”.
- إن كان النزاع يرتبط بأكثر من دول سواء من بلد في التنفيذ أو العقود أو حتى الأطراف.
5. القضايا الإدارية
القضايا الإدارية يجوز أن يتم التحكيم فيها مع أطراف من جهات حكومية ولكن بشرط وجود نص نظامي جيز لها طلب تحكيم أو أن يصدر موافقة من رئيس مجلس الوزراء.
6. منازعات الاستثمار
نزاعات الاستثمار قد تكون مع أطراف محليين داخل المملكة أو مع أطراف دوليين من خارج المملكة بشرط الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة أحد أطرافها.
هناك قضايا لا يسمح لها باللجوء للتحكيم ومنها قضايا الزواج أو الطلاق أو الحضانة والقضايا الجنائية والمسائل التي تخالف الشريعة الإسلامية.
إجراءات التحكيم في السعودية
وفقاً للنظام فإن إجراءات التحكيم في السعودية وفقاً للنظام تشمل مجموعة من الخطوات الهامة وهي كالتالي:
- أولاً قبل البدء في إجراءات التحكيم لا بد أن يكون هناك اتفاق كما ورد في المادة التاسعة من النظام وعليه يرسل للمركز السعودي للتحكيم التجاري ويتم إعلام الطرف الآخر لبدء إجراءات التحكيم.
- يتم تعيين محكم واحد أو أكثر من محكم للقيام بالمهمة بشرط أن يكون العدد المحصل فردي وفقاً للمادة 13 من النظام، في حال لم يتفق الطرفان على شخص تعين المحكمة مختص لتعين المحكم وفقاً للمادة 15 من النظام.
- يتم توقيع عقد مع اللجنة المختصة بالتحكيم ويشمل العقد تحديد الأتعاب ويكون موجود لدى الجهات المعنية وفقاً للمادة 24 من النظام.
- تعقد في البداية جلسة أولية حتى يتفق الطرفين على مواعيد لتقديم المرافعات وكذلك المستندات وبعدها يتقدم المدعى وهو الطرف الذي يرغب في الحصول على حقه ببيانات الأطراف وملخص يشمل النزاع وكذلك يشمل الأدلة وهو ما تنص عليه المادة 30 الفقرة واحد من القانون.
- يقوم المدعى عليه بالرد بمذكرة دفاعية ليشرح فيها سبب النزاع ويقدم أدلة هو الآخر وفقاً لما جاء من المادة 30 الفقرة رقم 2، في حال لزم الأمر تعقد جلسة أخرى يتم فيها سماع شهادة الشهود وسماع الخبراء والمرافعات الشفوية بحسب ما جاء في المادة 33.
- بعدما تكمل الجلسات يتم إصدار الحكم ويغلق باب المرافعة ويصدر الحكم النهائي بعد أقصى 12 شهر من بدء النزاع، إن لم ينفذ الحكم برفع للمحكمة طلب تنفيذ طوعي.
الأسئلة الشائعة حول إجراءات التحكيم في السعودية
ما تكلفة التحكيم في السعودية؟ وهل هو أغلى من المحكمة؟
الجواب:
تختلف التكلفة حسب نوع النزاع، وعدد المحكمين، وقيمة المطالبة.
في التحكيم المؤسسي، هناك رسوم إدارية وأتعاب محكمين تُحسب كنسبة مئوية من قيمة النزاع.
في بعض الحالات، يكون أغلى من المحكمة، لكن أسرع وأكثر مرونة وسرية، مما يجعله مفضلاً في العقود التجارية.
ما هي المدة التي تستغرقها قضية تحكيم؟
بحسب المادة (40)، يجب إصدار الحكم خلال 12 شهر من بدء الإجراءات مع إمكانية التمديد 6 أشهر إضافية،
هل يمكن تنفيذ حكم التحكيم مباشرة؟
الجواب:
نعم، بشرط أن يكون الحكم قد تم إيداعه لدى المحكمة المختصة ويستوفي شروط النظام، لكن لا يتم التنفيذ إلا بعد انتهاء مدة الطعن بالبطلان وهي 60 يوم من استلام الحكم.
هل يمكن الطعن على حكم الخالص بالتحكيم؟
الجواب:
لا يمكن الطعن عليه بالاستئناف أو النقض لكن يُمكن رفع دعوى بطلان فقط في حالات محددة مثل:
- عدم وجود اتفاق تحكيم.
- الإخلال بحق الدفاع.
- مخالفة الشريعة الإسلامية أو النظام العام.
ما الفرق بين تحكيم مركز مثل SCCA و الحر؟
الجواب:
- المؤسسي يتم تحت إشراف مركز تحكيم معتمد، ويُوفر قواعد محددة وجدول أتعاب جاهز.
- الحر يتم باتفاق خاص بين الأطراف دون مركز تحكيم، ويحتاج الطرفان لتنظيم كل التفاصيل بأنفسهم.
هل يمكن إجراء باللغة الإنجليزية؟
الجواب:
نعم، يجوز للطرفين الاتفاق على أن يكون بأي لغة مثل الإنجليزية أو الفرنسية، بدلاً من العربية وفقاً للمادة 29.