تخيل معي أن تأتي لك مكالمة هاتفية مفاجاءة بوفاة الشريك في الشركة، في لحظة وضحاها تتغير الموازين، هل تنهار خطط النمو أم تتوقف الأعمال ويبدأ سيل لا ينتهي في رأسك ممتلئ بالتساؤلات، هل الشركة تستمر أم أنها تنحل، هل الورثة سيرثون الشركة ويحلون محل المتوفى، ماذا عن العقود التي أبرمها الشريك، المشاريع العالقة والديون المتراكمة، في هذا الدليل الشامل سوف نبحر معاً خطوة بخطوة عبر مجموعة من التفاصيل الدقيقة لما يحدث قانونياً في حالة توفى أحد الشركاء لكل نوع من أنواع الشركات في السعودية لعلها تكون خطوة النجاة الأولى لك.
ماذا يحدث قانونيًا عند وفاة شريك
في القانون السعودي إن وفاة أحد الشركاء لا تمر مرور الكرام ابداً بل تفتح بشكل تلقائي سلسلة من الآثار القانونية وهي تختلف بحسب طبيعة الشركة وكذلك عقد التأسيس.
وفاة الشريك لا تعني بالضرورة أن ينتهي كيان الشركة، إلا لو كانت شخصية الشريك أساسية لطبيعة الشركة أو نص العقد التأسيسي أو النظام الأساسي على هذا الأمر، يتدخل نظام الشركة ليحمي مصالح بقية الشركاء والورثة أيضاً، حيث يصيغ عقود جديد واضحة لإدارة التركة واستمراراها أو حلها إن لم يتم التوصل لاتفاق بمساعدة محامي شركات محترف.
سيناريوهات وفاة الشريك في النظام السعودي
وتنقسم الاحتمالات القانونية بعد وفاة الشريك لسيناريوهان، إما استمرار الشركة مع الورثة أو دخولهم ضمن الشركة وهذا يرجع لبنود العقد الخاص بالشركة، الورثة في تلك الحالة يصبحون شركاء بنفس الحقوق وكذلك الالتزامات أو يتم تمثيلهم بشريك ينتخب بينهم أو يقوم بتعيين القاضي، في بعض أنواع الشركات يشترط في الغالب أن يوافق بعض أنواع الشركاء الباقين على دخول الورثة.
إن كانت شخصية الشريك المتوفي أساسية ولا يمكن تمشية الشركة بدونها أو لم يتفق على استمراراها بعد الوفاة فإن الوفاة تعتبر سبباً قوي لانتهاء الشركة ويتم تصفية أصولها بحسب حصص الشركاء والورثة بعد أن يتم سداد الديون وكذلك الالتزامات.
يحق للشركاء الآخرين في فترة زمنية في الغالب لا تتعدى 90 يوما لتقرير ما ستؤول عليه مصير الشركة في المستقبل بعد أن يتوفى الشريك، قد يلتزم الورثة بالبيع أو التنازل إن كانت شروط التأسيس تنص على منع دخول الورثة غير المرغوب فيه، مسؤوليات الديون للمتوفى تبقى قائمة على تركته وليس على الورثة بالشكل الشخصي.
وفاة الشريك في شركات التضامن
في شركات التضامن تعتبر شخصية الشريك هي حجر الأساس لوجود الشركة فالثقة المتبادلة بين الشرماء تمثل بذلك روح الشركة وأيضاً جوهر قيامها، عند وفاة الشريك في شركات التضامن فإن القانون يتعامل مع هذا الحدث ببالغ الجدية وعليه يترتب آثار قانونية مباشرة.
القاعدة العامة في نظام الشركات السعودي وبحسب المادة الخامسة والخمسون فإن الشركة لا تنتهي بوفاة الشريك إلا لو لو تواجد في عقد التأسيس ما ينص على ذلك.
تشير المادة الخمسون من نظام الشركات السعودي أن مصير الورثة هو عبارة عن استحقاق مالي وليس شراكة تلقائية، بحيث لا يكون للشريك إلا مصيبه من أموال الشركة ويقدر هذا النصيب بحسب الوارد في المادة 49 من نفس النظام.
عند اللجوء للمادة 49 من القانون، فإن من يحدد نصيب كل فرد هو شخص تعينه المحكمة ويسمى مقيم معتمد ويمكن تعين أكثر من واحد، تنص المادة أيضاً أن حقوق المتوفى تقف عند حد الوفاة وأي منفعة تعود على الشركة في المستقبل ليست من حق الشركاء أبداً.
إن النظام يسمح باستمرار الشركة مع الورثة حتى لو كانوا قصر أو ممنوعين من ممارسة التجارة بشرط تحويل الشركة لشركة توصية بسيطة يكون فيها الورثة مصون أو يتم تحويلها لنوع من الشركات يتناسب مع وضع الورثة.
وفاة الشريك في شركات التوصية البسيطة
في شركات التوصية البسيطة تقسم الشركة بين نوعين من الشركاء، إما أن يكونوا بدورهم شركاء متضامنون، مسؤولون بدورهم عن ديون الشركة بالشكل الخاص ويقومون بعملية الإدارة، أو شركاء موصين يساهمون بالمال فقط دون تدخل في الإدارة أو يحملون المسؤولية، ولهذا فإن وفاة أحد الشركاء في شركة التوصية البسيطة غالباً ما تخضع للضوابط الدقيقة التي نص عليها نظام الشركات السعودي.
بحسب ما ورد في المادة السابعة والخمسون من نظام الشركات في السعودية‘ فإن شركة التوصية البسيطة لا تنفض في حالة وفاة أحد الشركاء الموصون دون الحاجة لأي تعديل، إلا لو تواجد في عقد التأسيس ما ينص بشكل صريح على الإنقضاء وأما الحصة الخاصة للشريك فتنقل للورثة بالشكل التلقائي دون أن يتحملوا أي مسؤولية إضافية.
أما في حالة وفاة الشريك المتضمن فبحسب الوارد في المادة 57 فإن مصير الشركة يعتمد على ما ورد في نص عقد التأسيس الخاص بالشركات، وفي الغالب تستمر في حال وجود شركاء متضامنون آخرون والورثة يعاملون كورثة ماليين لا شركاء متضامنين إلا في حال رضاهم أو حدوث اتفاق خاص.
في حالة الشركات التوصية البسيطة في حال وفاة الشريك الموصي فإن الحصة تؤول للورثة ما لم يرد في عقد التأسيس أي أمر آخر غير الوارد وتقدر فقيمته بما يعتمد المقيم المعتمد أو أكثر من مقيم.
وفاة الشريك في الشركات ذات المسؤولية المحدودة
إن الشركات ذات المسؤولية المحدودة من الكيانات التي تقوم على شخصية معنوية مستقلة عن شخصية الشركاء ولهذا تجد أن وفاة أحد الشركاء لا تعني على الإطلاق نهاية الشركة بالمعنى الحرفي.
بحسب ما تشير إليه المادة الرابعة والثمانون بعد المائة فإن الشركات ذات المسؤولية المحدودة لا تنفض إن توفى أحد الشركاء إن لم ينص عقد التأسيس على ذلك، بمعنى أن الشركة تستمر بعد وفاة الشريك بشكل طبيعي جداً ولا تحتاج بدورها لإعادة تأسيس أو حتى القيام بالتفصية.
تنتقل الحصة للورثة الشرعيين بموجب قواعد الميراث العام، الورثة لا يصبحون مالكين بالضرورة أي لا يصبحون شركاء كاملي الحقوق والأمر يحتاج إلى تعديل عقد التأسيس لإدخال الورثة وكذلك موافقة باقي الشركاء إن نص على ذلك عقد التأسيس.
في كثير من الحالات ينص عقد التأسيس على أنه في حالة وفاة أحد الشركاء فإن الباقي يحق له شراء الحصة بقيمة سوقية عادلة أو القيام بعرضها على طرف ثالث وفي تلك الحالة يتم تقييم الحصة وفقاً لقواعد عادية.
حلول عملية لتجنب النزاعات بعد وفاة الشريك
على الرغم من أن نظام الشركات السعودي كان نظاماً عدلاً قام بترتيب الأمور عند وفاة الشريك، ألا أن الواقع العملي يثبت لنا أن غياب الترتيبات السابقة يدخل كلاً من الشركاء والورثة في دوامة كبيرة ولا تنتهي من النزاعات القانونية، فإليك أبرز الحلول العملية الوقائية التي تتخذ بشكلٍ سابق لتجنب نزاعات وفاة الشريك:
- إن كنت مقبل على افتتاح شركة أهم وأبسط حل هو أن يحتوي عقد التأسيس أو النظام الأساسي على بنود توضح استمرار الشركة من عدمه في حال وفاة الشريك ووضع بنود توضح دخول الورثة من عدمه وهل تسمح لهم بشراء حصتهم والآليات الخاصة بشراء الحصص.
- اتفاق سابق بين الشركاء على آليات الخروج، يمكن للشركاء توقيع اتفاق منفصل ينص على آلية بيع حصة الشريك، تحديد طرف تالت لشرائها وتقيم الحصة بشكلٍ عادل.
- لا تنسى التغطية التأمينية بإصدار بوصيلة تأمين على حياة كل شريك.
- عند الوفاة مبلغ التأمين يتم شراء حصة الورثة وهو يضمن بذلك، تعويض الورثة على الفور، وكذلك استمرار الشركة ليد الشركاء الباقين دون عبء مالي مفاجئ.
- يفضل عندما يتم التخطيط لمشاريع طويلة الأجل تحويل الشركة لشركة مساهمة مغلقة أو حتى شركة ذات مسؤولية محدودة.
- لا تنسى الاستعانة بمحامي سعودي، محامي الشركات المحترف، يعمل على صياغة احترافية للعقود ويضع ضوابط تحمي الشركاء في حالة وفاة أحدهم.
لا تنتظر المفاجآت، ابدأ اليوم بمراجعة عقد تأسيس شركتك مع محامٍ محترف، وأدرج بنودًا واضحة ودقيقة تنظم ما يحدث عند وفاة أي شريك، استثمر في تأمين مستقبلك ومستقبل ورثتك وزملائك؛ فالمواقف الطارئة لا تنتظر، لكنها تحترم من كان لها مستعدًا.
- صياغة عقد تأسيس محكم.
- اتفاقيات شراء مسبقة للحصص.
- تأمين حياة الشركاء.
- التحول إلى كيانات تجارية أكثر مرونة عند الحاجة.
- كلها أدوات عملية تحمي عملك وتحفظ إرثك التجاري للأجيال القادمة.
ففي النهاية، الشركات العظيمة لا تبنى فقط بالجهد والرؤية، بل أيضًا بالحكمة القانونية التي تضمن بقاءها مهما تغيرت الظروف.